معركة رغيف الخبز أي أهداف؟ وفي إطار أي خطة؟

تابعنا على:   14:26 2022-03-22

صالح عوض

أمد/ لسان حال الاستعماريين المتربصين بالأمة يقول: "أيها العرب نقتلكم حرقا وقصفا وعطشا وجوعا سنقتلكم، ولن نسمح لكم بالنهضة ولا الوحدة ولا فلسطين".. وها هي نتائج الصراع الدائر في أوكرانيا تفرض نفسها بكل عناوينها في واقعنا نحن العرب.. فلئن كان الغرب الأوربي متأثرا بالحرب وامتداداتها في غلاء المحروقات وفوضى تجارته الا انه يفكر بسرعة لتجاوز الازمة، أما الجنوب لاسيما بلاد العرب فسيكون تأثير الحرب فيه بارزا وحاسما في رسم معالم المرحلة المقبلة بما في ذلك الخرائط السياسية.. وسيجد الجنوب نفسه يدفع الثمن مرتين.
نقولها بوضوح وبصوت عال وبمنطق الوقائع على الأرض أنه من يعتقد بإمكانية النأي عن نتائج الصراع المحتدم اليوم ها هو يكتشف أن الكرة تتدحرج سريعا بلهيبها الى عمق داره..
فهل تجويع العرب واحدة من النتائج المخطط لها؟ يعتقد الكثيرون أن مثل هذا التوقع يأتي من باب سوء الظن الزائد او التبني المفرط لفكرة المؤامرة.. ولكن بأي براءة نستطيع تقبل تجفيف مصادر المياه القادمة لبلاد العرب مع النيل او الفرات ودجلة؟ فلقد شردوا 12 مليون عربي من الشام والعراق وقتلوا فيهما أكثر من 3 مليون نسمة بالنابالم والصواريخ المجنحة والبراميل المتفجرة ودمروا المدن والتراث ونهبوا الثروات ومزقوا الدول وحطموا جيوشها وأثاروا فيها كل النعرات الطائفية والعرقية والجهوية.. فهم لم يتركوا وسيلة ولا أسلوبا إلا وسلكوه.. ألا يبرر هذا كله توقعنا بأنهم يعملون على حرمان العرب من رغيف الخبز وسيصبح برميل نفط العرب لا يساوي رغيف خبز.
من المحيط الى الخليج سيصبح تجويع بطوننا قوة ضاغطة على بقية قراراتنا المنهكة فالقمح المستورد مهدد بالانحباس عنا ونحن نعتمد عليه بنسبة أكثر من 80 بالمائة وسيكون هو السبب في فصل جديد من معركة غير متكافئة بين الجنوب والغرب المحتاج والذي لن يسمح بتفشي الجوع عنده فيما يسير القمح الى شواطئنا.
بعض مظاهر الازمة:
حذرت منظمة التجارة العالمية من ارتفاع أسعار القمح عالميا، نتيجة تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.. وأكدت "نغوزي أوكونجو أويالا"، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، أن الحرب في أوكرانيا سيكون لها "تداعيات كبيرة" على أسعار القمح، الذي تعد البلاد مصدرا رئيسيا له..
منذ بداية التوترات الروسية الأوكرانية، برزت مخاوف تأثُّر أسواق القمح والغلال العالمية بشدة، نظراً لأن البلدين يؤمّنان جانباً مهماً من الصادرات وتشكل روسيا وأوكرانيا 29% من صادرات القمح العالمية، و19% من صادرات الذرة، و80% من الصادرات العالمية لزيت دوار الشمس. ومنذ بدء الحرب، لمية ... لكنّ الجانب الأكثر تهديداً في العالم يقع في منطقة العربية تحديداً، كونها المنطقة الأعلى كثافة في استيراد القمح من البلدين. وهكذا فإن الدول العربية تعتمد على القمح من روسيا وأوكرانيا اعتمادا أساسيا سواء بشرائه مباشرة منهما او عن طريق وسيط اوربي غربي.. وتعتبر روسيا وأوكرانيا في مقدمة المصدرين للقمح.. تستورد الدول العربية نحو ثلث احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا (رويترز)
وضع البحارغير آمن :
علقت روسيا حركة السفن التجارية في بحر آزوف حتى إشعار آخر، لكنها أبقت موانئها بالبحر الأسود مفتوحة أمام الملاحة.. وتشحن روسيا-أكبر مصدر للقمح في العالم- حبوبها بالأساس من موانئ البحر الأسود.. وتؤكد مصادر ان "جميع السفن متوقفة (في بحر آزوف)".
وبناء على ذلك ارتفعت أسعار القمح في بورصة شيكاغو إلى أعلى مستوى في تسعة أعوام ونصف، وقد بلغ القمح سعراً غير مسبوق إطلاقاً بـ344 يورو للطن الواحد لدى مجموعة «يورونكست» التي تدير عدداً من البورصات الأوروبية.
وفي خضمّ هذا الصراع، فإن الدول العربية -وعلى رأسها مصر ولبنان والعراق ودول المغرب العربي- تواجه مشكلة جسيمة، إذ إنها تعتمد -بشكل متفاوت-على الأقماح الأوكرانية والروسية، وبكميات كبرى يصعب تعويضها من السوق المفتوحة.
. فلقد أظهرت الاحصائيات المصرية أن 80% من واردات مصر من القمح من روسيا وأوكرانيا خلال 2021، حيث تصدرت روسيا قائمة أعلى عشر دول استوردت مصر منها القمح خلال الـ11 شهر الأولى من عام 2021، وسجلت قيمة واردات مصر منها 1.2 مليار دولار وبكمية بلغت 4.2 مليون طن
كما قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، إن الإمارات وسلطنة عمان أعلى دول الخليج استيرادا للقمح من روسيا وأوكرانيا
والأمر خطير في لبنان على وجه الخصوص، إذ لا يملك البلد مكاناً كافياً لتخزين الاحتياطيات بعد دمار إهراءات القمح في انفجار المرفأ عام 2020... بما جعل لبنان لا يمتلك سعة تخزينية إلا لما يتراوح حول شهر واحد كما اكد ذلك وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام
أما الوضع في اليمن فيطلق صرخات الاستغاثة إذ حذّر برنامج الأغذية العالمي، من أنّ الحرب في أوكرانيا ستؤدي على الأرجح إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء في اليمن الذي مزّقته الحرب، مما قد يدفع المزيد من السكان إلى المجاعة مع تراجع تمويل المساعدات.

وكان برنامج الأغذية العالمي قد صرح: "تصعيد الصراع في أوكرانيا يؤدي إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء في اليمن، خصوصاً الحبوب الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد".
وأضاف«ليس لدينا خيار سوى إطعام من يتضورون جوعاً على حساب الجوعى، وما لم نحصل على التمويل العاجل، فإننا في غضون أسابيع قليلة نواجه خطر عدم قدرتنا حتى على إطعام الذين يتضورون جوعاً»، مضيفاً: «سيكون ذلك بمثابة جحيم على الأرض».
وفي مصر، أكبر البلاد العربية سكاناً، وأعلى دول العالم استيراداً للقمح، تبدو المهمة شاقة لإيجاد بدائل عاجلة لإطعام 100 مليون مواطن، خصوصاً مع استيراد البلاد نحو 40% من احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا
وفي تونس، كشفت وزارة الفلاحة عن توفر مخزون من الحبوب يكفي لتغطية الحاجيات المحلية حتى مايو (أيار) المقبل، وأكد مدير التزويد بديوان الحبوب التونسي أن نحو 80% من واردات تونس من الحبوب متأتية من روسيا وأوكرانيا، وهو ما يجعل الاحتياط ضرورياً خشية إطالة أمد الأزمة هناك، وإمكانية تأثيرها على عمليات الشحن الموجهة إلى البلدان المستهلكة.

وفي العراق، قال متحدث باسم وزارة التجارة، إن العراق يملك مخزوناً استراتيجياً كافياً من القمح من مشترياته من القمح المحلي من المزارعين في الموسم الماضي، مضيفاً أنه غير قلق بشأن المخزونات. لكنه أضاف أن العراق قد يطرق السوق لشراء قمح إذا طال أمد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وسيعلن عن خطة الشراء في حينه.
حذّر مسؤول رفيع المستوى في إحدى منظمات المساعدات الإنسانية في السودان من أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا وضعت البلاد على شفا أزمة يؤججها نقص الغذاء خصوصا مع اعتماد الخرطوم في أكثر من 80 % من وارداتها من القمح على البلدين المتحاربين.. ومن جهته يقول ديفيد رايت رئيس العمليات في منظمة "سايف ذي تشيلدرن" :"ما يقرب من 20 مليون شخص، أو نصف سكان السودان تقريبا، يعاني من انعدام الأمن الغذائي"....وقال "إنه لأمر رائع أن نرى التضامن الذي يتم التعبير عنه بمساعدة الأوروبيين لبعضهم البعض .. لكن ما يقلقنا هو أنه سوف يمتص الكثير من أموال نظام (المساعدات) الإنسانية في العالم".
وفيما ليبيا كانت تستورد من روسيا واوكرانيا 650 ألف طن قمح، وهو نصف احتياجاتها. تؤكد مصادر: أن مخزون ليبيا من السلع “ضئيل جدا”، مشيرا إلى توقف دخول سفن الشحن المحملة بالسلع الأساسية منذ أيام، و”لو توقف التصدير أكثر من ذلك ستختفي سلع، فيما تجتهد الوزارة لتجهيز بدائل فورية، إلا أن البديل سيكلف البلاد كثيرا.
وتشير الأرقام إلى أن الدول العربية بشكل عام، تحصل على ما نسبته 25 % من صادرات القمح العالمية، وتعتبر دول المغرب العربي: المغرب وتونس والجزائر من أكبر مستوردي القمح، حيث يعتمد المغرب على روسيا في توفير 10.5 % من احتياجاته من القمح، في حين يحصل من أوكرانيا على نسبة 19.5 %، أما تونس فتحصل على نصف وارداتها من القمح تقريبا من أوكرانيا.
وتعاني تونس من عجز في الموازنة المالية لعام 2022 قدر بـ9.3 مليار دينار، فيما بلغ إجمالي ديونها 114 مليار دينار وهي نسبة مديونية غير مسبوقة للبلاد.
مع تعمق الأزمة الروسية الأوكرانية باتت دول الخليج ينظرون للمخزون الاستراتيجي من القمح والحبوب، وأوضحت “الفاو” أن الدولتين الخليجيتين" عمان والامارات"، ستتأثران كثيرا بتداعيات الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وأظهرت الإحصائيات أن سلطنة عمان أكثر دول الخليج استيرادا للقمح من روسيا وأوكرانيا بنسبة تصل إلى نحو 70% من احتياجاتها. فيما تأتي الإمارات بالمرتبة الثانية خليجياً بنسبة بلغت 54% من احتياجاتها. وأوضحت أن مسقط تستورد 65.4% من احتياجاتها للقمح من روسيا، فيما تحصل على قرابة 4 بالمائة من الاحتياجات من أوكرانيا..وذكرت أن أبوظبي تستورد 53.3% من احتياجاتها للقمح من روسيا، فيما تحصل على نحو 0.9% من أوكرانيا.
أخطار عالمية:
يواجه الاقتصاد العالمي الذي لم يتعافَ بعد من أزمة وباء كوفيد-19، تهديد الحرب في أوكرانيا والارتفاع الحاد في أسعار المواد الأولية، وارتفاع أسعار القمح التي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 14 عاما خلال الأسبوع الماضي
وتتنامى المخاوف من نقص الغذاء بعدما تعددت قرارات حظر تصدير القمح وقد أصبح من الضروري الآن الحصول على ترخيص من السلطات الاوكرانية لتصدير القمح ولحوم الدواجن والبيض وزيت دوار الشمس، وفُرضت أيضًا قيود على تصدير الماشية ولحومها والملح والسكر والشوفان والحنطة السوداء.. فيما فرضت روسيا، التي تنتج أكثر من 11% من القمح في العالم، قيودا على صادرات القمح والشعير والشوفان وحبوب أخرى فيما حذرت شركة تجارة المنتجات الزراعية الألمانية باي فا، من أن قرار المجر فرض حظر على صادراتها من الحبوب سيؤدي لتفاقم أزمة الغذاء الوشيكة في العالم... وقال كلاوس جوزيف لوتسه الرئيس التنفيذي لشركة باي فا، إنه "بتدخل حكومة رئيس وزراء المجر أوربان في حركة التجارة الحرة، فإنها تعمل على تفاقم أزمة الجوع وتوزيع الغذاء في العالم"...وأضاف إن حظر تصدير الحبوب في المجر يمكن أن يؤثر على إمدادات الذرة في الاتحاد الأوروبي.
المستفيدون من أزمة أوكرانيا:
وأمام هذا الحظر يبرز كلا من الأرجنتين وأستراليا والهند كدول مستفيدة منه وهي تتحرك لإعادة التوازن لسوق الحبوب العالمي، ولكن لن ينجزوا امرا كبيرا في الملف كما قالت وزارة الزراعة الأمريكية إن مصدري القمح الآخرين سيتمكنون فقط من تعويض جزء من النقص الناتج بسبب الحرب.. ورفعت الوزارة تقديراتها لصادرات أستراليا والهند، اللتين ينظر إليهما على أن صادراتهما ستكون الأكبر على الإطلاق.
وقالت بلومبرج إن مخزون القمح العالمي يسجل ارتفاعا، في ظل زيادة المحصول في أستراليا بفضل إنتاج نحو 30 مليون طن، وهو ما قد يخفف من تداعيات الحرب في أوكرانيا التي تعطل نحو 25% من تجارة القمح العالمية.. وتستعد أستراليا لحصاد غير مسبوق للقمح هذا الموسم،
كما ستتواصل وتيرة التصدير القوية من الهند بسبب الاحتياطي الكبير وارتفاع الأسعار العالمية ما أدى إلى ارتفاع صادرات القمح الهندي بنهاية فبراير الماضي إلى 6.6 مليون طن.. وتوقع وكيل وزارة الغذاء الهندية، سودهانشو بانديأن يصل انتاج القمح الهندي إلى مستوى قياسي جديد يبلغ 111.32 مليون طن في موسم المحاصيل 2021-2022 (يوليو- يونيو) مقابل 109.59 مليون طن في العام السابق "..وبحسب تيري رايلي من" مؤسسة فيوتشرز انترناشيونال بشيكاغو"، لا يبدو أن الأرقام "تعكس المشاكل في منطقة البحر الأسود، ولكن من الصعب حاليا توقع تدفق كميات القمح مستقبلا."
فيما أعلنت الأرجنتين زيادة حصتها السنوية من تصدير القمح لموسم 2022-2023 بمقدار 8 ملايين طن إلى ما يصل في مجمله إلى 10 ملايين طن للاستفادة من ارتفاع الأسعار العالمية..وتحد الأرجنتين، وهي منتج رئيسي للحبوب، من صادرات القمح في محاولة لضمان توافر المعروض محليا وتجنب ارتفاع أسعاره..وما زالت حصة الصادرات الجديدة بعد زيادتها أقل مما كانت عليه في الدورة السابقة 2021-2022 عندما سمحت الأرجنتين بتصدير 14.5 مليون طن من القمح... وهكذا تبرز الدولة اللاتينية كلاعب رئيسي في سوق القمح في المنطقة العربية.
تتطلع الدول المستهلكة للقمح إلى الأرجنتين لتلبية متطلباتها، خاصةً البرازيل دولة الجوار التي تعتمد بشكل رئيسي في كفايتها من القمح على الأرجنتين، إذ تصدر الأخيرة 45% من إنتاجها للأولى.
موقف دول الخليج المفاجيء من أزمة أوكرانيا:
صحيح أنَّ دول الخليج ظلَّت تاريخياً تحت المظلّة البريطانيّة أو المظلمة الأميركيّة، لكن لعلَّ ما يحدث في أوكرانيا حالياً يغير قليلاً نظرتها إلى الهيمنة الأميركية المطبقة على المنطقة، إذ يكاد المحلّلون يجمعون على أنَّ تداعيات ما بعد الحرب الدائرة حالياً - مهما كانت - أهم بكثير من الحرب نفسها، وأن التغيرات الجيوسياسية على مستوى العالم آخذة في التشكل لا محالة في ما لو نجحت موسكو بتقليم أظافر الناتو في كييف، بل إنَّ دول البلطيق كلها تستشعر أنَّها في وضعية مختلفة عن الوضعية السابقة، حتى تلك الدول المحسوبة على الناتو.
ولكن الى متى يظل السوق العربي استهلاكي قائم على الاستيراد لاسيما في المواد الأساسية؟ ان هذا الدرس كبير تماما وهو قادر ان يحرك النظام العربي الى سياسات جديدة ووضع برامج عملية حقيقية تحمي السيادة الوطنية والقرار الوطني وهذا لايتاتى الا بمراجعات عميقة لفلسفة التنمية وإعادة الاعتبار للأرض ثم بالانفتاح العربي البيني وإرساء تقاليد حقيقية لتكامل عربي ضروري والاهتمام بالأرض الزراعية العربية وإعادة الاعتبار لها في اكثر من بلد.

كلمات دلالية

اخر الأخبار