
"التنظيم الدولي" للإخوان: وأيديولوجيا النفي والعنف (7/ 8)

سليم يونس الزريعي
أمد/ ولذلك لا يمكن للمواطن العربي أن يتجاهل ؛ أن هذا التنظيم الذي يعمل على إقامة أممية إسلامية على حساب الدول القائمة والقوى السياسية الأخرى ؛ رغم كل الحديث بأن التنظيم الدولي ومن ثم حركة الإخوان ليست كذلك ؛ انطلاقا من ذلك الفكر الذي يقوم على مبدأي النفي والعنف والسيطرة الاقتصادية ؛ حيث يعمل التنظيم الدولي على إقامة كيانات اقتصادية ومالية ضخمة تكون قادرة على تمويل حركات وتنظيمات الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم الذي انبثق منه بنك التقوى الذي يمول كل التنظيمات السرية. (49 موقع قناة الجزيرة )
ولعل أخطر الأمثلة على الدور الدموي للتنظيم الدولي بالشكل الذي يصر عليه إخوان مصر هو المأساة التي وقع فيها الإخوان المسلمون في سورية ؛ التي بلغت قمتها بما جري في مدينة حماة ؛ فالتنظيم الدولي بتدخله في الأمور الداخلية للحركة الإسلامية السورية ، وسوء استيعاب قادته لمعطيات الواقع المحلي في سورية ، لم يكن بعيدا من المسؤولية عن تلك المأساة إذ قام التنظيم حسب روايات إخوانية بتحريض الناس على المواجهة العسكرية مع الحكومة السورية آنذاك . وعندما سالت الدماء ، وطحنت الرؤوس تحت الأنقاض ، نفض مكتب الإرشاد يده من الأمر بل إن مثل الدكتور عبد الله النفيسي يؤكد أن سوء الموقف داء بارز في ممارسات "مكتب الإرشاد العام" وخاصة في مجال العلاقات السياسية وتفسير الأحداث الكبيرة .
وفي إطار هذه الاستراتيجية عمل التنظيم الدولي على دفع الإخوان المسلمين إلى العودة للعمل تحت الأرض كتنظيم عالمي، وإشاعة بعض مؤشرات التغيير والتجديد في الخطاب والرؤية هنا وهناك من خلال بعض أذرع هذا التنظيم كحركة حماس على سبيل المثال التي تتغير اليوم وتتبدل أسرع مما ينبغي. وما يميز الإخوان المسلمين عن غيرهم ثقتهم المطلقة بإستراتيجيتهم الجديدة بعد 11 أيلول واعتدادهم بها إلى درجة الإيمان المطلق. ( 50 ) مجلة العصر ،مصدر سابق )
وفي سياق هذه الإستراتيجية ؛ كان من الطبيعي أن يجرى ضبط علاقة التنظيم الدولي بفروع حركة الإخوان في الدول المختلفة لهذا نص " النظام العام " على أن الحركات الإسلامية المنضوية تحت لواء التنظيم الدولي ملزمة بالآتي :
الالتزام بالمبادئ الأساسية الواردة في هذه اللائحة عند صياغة اللائحة الخاصة للقطر . وتشمل هذه المبادئ : العضوية وشروطها ومراتبها ، ضرورة وجود مجلس للشورى إلى جانب المكتب التنفيذي ، الالتزام بالشورى ونتيجتها في جميع أجهزة الجماعة .. الخ . والالتزام بفهم الجماعة للإسلام ، المستمد من الكتاب والسنة والمبين في الأصول العشرين ، والالتزام بالنهج التربوي الذي يقره مجلس الشورى العام . الالتزام الأمريكي في عبارات بدت وكأنها دعم لصدام . عندها علق إخوان الكويت عضويتهم في التنظيم الدولي ولا يزال الفتور قائما رغم عودتهم للمشاركة في الاجتماعات . ولم تقتصر التناقضات التي أدى إليها إنشاء التنظيم على ذلك فالحركة الإسلامية الكردستانية بوضعها الذي يتسم بالحساسية الشديدة نموذج آخر نحب التوقف عنده ، فهذا التنظيم " الدولي " الذي يعبر عن جماعة ذات توجه إسلامي يتصف بالعالمية أثمرت تجربته مع الإسلاميين الأكراد عن انطباعات سلبية ويعبر عن ذلك أحد القيادات الإسلامية الكردية بقوله إن حركة الإخوان المسلمين حركة إسلامية مهتمة بالعرب لا تخرج عن دائرة الشعوب العربية إلا في حالات استثنائية نادرة وقد أسس التنظيم الدولي للإشراف على الإخوان في بلاد الهجرة والاغتراب . والإسلاميون الأكراد يعتبرون علاقة الإخوان بالنظام العراقي السابق مشكلة تعقد علاقتهم بالتنظيم ، ذلك أن دخول بعض أجنحة الإخوان المسلمين الإسلامية العراق مع سكوت أكثر تنظيمات الإخوان هو في حد ذاته شر مستطير وخطر كبير خلق واقعا مظلما ومستقبلا أظلم .( 51 ) ( و كالة الأهرام للصحافة ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٣)
أما قضية التنظيم الدولي من خلال تنظيم العلاقة بين القيادة العامة وقيادات الأقطار ، فانها تتحدد ضمن الدوائر التالية:
الدائرة الأولى: وهي التي يجب فيها على قيادات الأقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة متمثلة في فضيلة المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام وتشمل ما يلي:
الالتزام بالمبادئ الأساسية الواردة في هذه اللائحة عند صياغة اللائحة الخاصة للقطر وتشمل هذه المبادئ العضوية وشروطها ومراتبها - ضرورة وجود مجلس للشورى إلى جانب المكتب التنفيذي - الالتزام بالشورى ونتيجتها في جميع أجهزة الجماعة .. الخ والالتزام بفهم الجماعة للإسلام المستمد من الكتاب والسنة والمبين في الأصول العشرين والالتزام بالنهج التربوي الذي يقره مجلس الشورى العام والالتزام بسياسات الجماعة ومواقفها تجاه القضايا العامة كما يحددها مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام والالتزام بالحصول على موافقة مكتب الإرشاد العام قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسي مهم.
الدائرة الثانية: وهي التي يجب فيها على قيادات الأقطار التشاور والاتفاق مع فضيلة المرشد العام أو مكتب الإرشاد العام قبل اتخاذ القرار وتشمل جميع المسائل المحلية المهمة والتي قد تؤثر على الجماعة في قطر آخر
الدائرة الثالثة: وهي التي تتصرف فيها قيادات الأقطار بحرية كاملة ثم تُعلِم مكتب الإرشاد العام في أول فرصة ممكنة أو في التقرير السنوي الذي يرفع للمراقب العام وتشمل هذه الدائرة كل ما يتعلق بخطة الجماعة في القطر ونشاط أقسامها ونمو تنظيمها والمواقف السياسية في القضايا المحلية التي لا تؤثر على الجماعة في قطر آخر شريطة الالتزام بالمواقف العامة للجماعة والوسائل المشروعة التي يعتمدها القطر لتحقيق أهداف الجماعة ومبادئها على ضوء أوضاعه وظروفه ( 52 ) ( المصدر السابق ).
غير أن ذلك لم يمنع من وجود المشكلات بين التنظيم الدولي والفروع المختلفة لحركة الإخوان ؛ عنوانها التنافس وسيطرة التنظيم المصري على قيادة التنظيم ؛ وصل إلى حد تحميل بعض قيادات التنظيم المصرية التنظيم الدولي جزءا كبيرا من المسؤولية فيما يتعلق بالحصار الذي تعيشه الجماعة كونه كما تعتقد يعطيها صورة أكبر كثيرا من حجمها الفعلي لدى الأنظمة وأجهزة الأمن والاستخبارات العالمية التي تحاسب الجماعة بأكثر مما هي عليه فعليا كما أنه يحمل الجماعة أعباء إدارية وكلفة سياسية بأكثر مما يعود عليها، خاصة إذا علمنا أن التنظيم الدولي لا يمتلك سلطات فعلية على التنظيمات القطرية للإخوان رغم مشاركتها بممثلين عنها ولا يستطيع التدخل في سياستها الداخلية مهما كان تأثيرها على صورة ووضع الجماعة عالميا، حتى إن قرار تنظيم الإخوان في الجزائر بخوض زعيمه الشيخ محفوظ نحناح انتخابات الرئاسة الجزائرية الأخيرة لم يؤخذ فيه رأي التنظيم الدولي مع أنها كانت المرة الأولى في تاريخ الجماعة التي تترشح فيها شخصية إخوانية لمثل هذا المنصب وما تحمله الخطوة من خطورة وتأثير عالمي يتجاوز نطاق التنظيم الجزائري على الأقل في حالة نجاح نحناح الذي كان سيصبح أول رئيس دولة من الإخوان المسلمين.
وينظر للتنظيم الدولي أيضا كعبء أمني على التنظيمات الفرعية بحسبانه سببا لعدد من الضربات الأمنية التي تعرضت لها بعض تنظيمات الإخوان القطرية، حيث كانت اجتماعاته التي تعقد في ألمانيا أو بعض الدول الأوروبية صيدا ثمينا لأجهزة الاستخبارات العالمية التي استطاعت جمع أكبر معلومات ممكنة عن الجماعة لم يكن لتتاح لها لولا اجتماعات التنظيم التي كانت تدار على طريقة المطار السري الذي يعرفه كل الناس ولكن يظل سريا !! حيث تدار وكأنها سرية في حين أن كل ما يدور فيها يجد طريقه بسرعة إلى كل أجهزة الاستخبارات وهو ما أدى - على سبيل المثال - إلى ضرب تنظيم الإخوان في عمان الذي حصلت أجهزة المخابرات العمانية على أدق تفاصيله، ( 53 ) المصدر السابق )
وفي النهاية يصل الإخوانى ثروت الخرباوي في قراءته للأحداث إلى أنه ستظل أشكال التنظيم الدولي باقية كما هي لن يطرأ عليها تغيير ويدرس كل تنظيم في بلده تجربة تركيا - كما كان يدرس تجربة إيران - من أجل الوصول للحكم وسيسعي الإخوان لتعميق صلاتهم السرية مع الولايات المتحدة وعقد صفقات معهم إذ تولد الشعور بأن في الأفق إرهاصات واقع جديد قد يكون للإخوان مكانا مؤثرا فيه. ( 54 ) المصدر السابق )
الحصاد المر
وأخير تأبى التجربة التاريخية إلا أن تشير إلى أن التنظيم الدولي ومن ورائه فروع الحركة المختلفة كانت دوما في الموقع المضاد لتطلعات مجموع الناس ؛ عبر عن ذلك أنها لم تجد بأسا في أن تكون أداة في يد تلك الدول الغربية التي أطبقت على صدر الوطن العربي طوال عقود ؛ وكانت سببا في مأساة الأمة العربية الأساسية الممتدة منذ تسعة عقود منذ وعد بلفور المشئوم ؛ التي أنتجت زرع الكيان الصهيوني في فلسطين ؛ التي فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الذي بوركت الأرض حوله ؛ من أجل النيل من الأمة العربية وخاصة الدول العربية التي سعت من أجل استقلال حقيقي لبلدانها ؛ عن المستعمر الغربي وأدواته في المنطقة .
الأمر الذي لا يمكننا من الحديث عن القيادة العالمية لحركة الإخوان المسلمين ؛ دون استحضار دور تلك الحركة في الدول العربية طوال النصف الثاني من القرن الماضي ؛ حيث كانت تقف في الخندق المعادي لكل ما هو وطني وقومي في الأمة العربية ؛ يؤكد ذلك دورها المشبوه والمتآمر على ثورة يوليو وقائدها ؛ وهي الثورة التي أعادت الاعتبار لمصر الدور والحضور ؛ وشكلت رافعة للوحدة العربية ؛ واستطاعت أن توحد الشعب العربي من المحيط إلى الخليج خلف هدف الوحدة العربية ببعدها التقدمي الإنساني والحضاري متجاوزة في ذلك مفردة اللون أو العرق ؛ ناهيك عن أنها أعادت للمواطن المصري كرامته المهدورة وثقته بنفسه كإنسان حر .
بل إن تلك الحركة وقيادتها العالمية ؛ على ضوء هذا الدور ناصبت الدول العربية الوطنية العداء دون غيرها من الدول العربية الأخرى ( العائلية ) التي كانت تربطها بالدول الأوروبية علاقات تبعية سياسية واقتصادية ؛ ناهيك عن أن بعض تلك الدول شكلت حاضنة لتلك الحركة على مدى سنوات ؛ في الوقت الذي كانت تعمل فيه حركة الإخوان المسلمين وراء تغيير الأنظمة الوطنية المناهضة للاستعمار بالعنف من أجل إقامة نظامها السياسي الديني المغلق ؛ المعادي لكل ما هو وطني وتقدمي وإنساني .
ومن الواضح أن الدور والوظيفة التي اضطلعت بها تلك الجماعة ؛ وقفت على النقيض من تطلعات الإنسان العربي الحقيقية في الحرية والتقدم بكل مفرداتها ؛ ولذلك اتجهت إلى الاتكاء على الدين من أجل الوصول إلى السلطة ؛ وهذا التوظيف السياسي للدين هدف إلى تأليب المواطن في تلك الدول الوطنية العربية على النظام السياسي الوطني ؛ من أجل زعزعة استقراره ؛ وشغله بمعارك جانبية ؛ بعيدا عن استحقاقات التنمية والتقدم ؛ والاستقلال الحقيقي ؛ وبعيدا عن التبعية السياسية لأي دولة كانت ؛ كون تلك الجماعة تعتبر نفسها البديل الوحيد لتلك الأنظمة ؛ وأن من حقها الشرعي أن تصل للسلطة ؛ حتى لو كان ذلك عبر إراقة دم المواطن العربي المسلم .