
ضحايا رحلة الموت..
عروس رفح "صابرين أبو جزر".. لم يشفع لها فستان زفافها من غدر بحر اليونان- فيديو

أمد/ غزة- صافيناز اللوح: دقت ساعة السّفَر، ارتدت أجمل الملابس، وتزينت أمام مرآة غرفتها التي قررت أن تغادرها للأبد وحتى الوطن الذي ترعرعت فيه واتخذته ملاذاً للبقاء تحت سماءه، قررت مغادرته إلى حيثُ منزل الزوجية بعيداً عن سياج شائك حاصر بقعة صغيرة وبداخلها مئات الآلاف من النائمين تحت وطأة الفقر والجوع والمأساة.
حملت صابرين وائل حسن أبو جزر ابنه الـ23 عاماً من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وبمساندة عائلتها، حقائبها وسارت بمركبة يملأها الفرح لكونها ستذهب إلى خطيبها ليتزوجا خارج غزة، وتارة بالحزن على فراقها لعائلتها التي تركتها، فقبلات الوداع في معبر رفح كانت الأخيرة التي تنثرها على وجوه والديها للأبد دون أن تعلم، قبل أن يروي بحر اليونان قصة "عروس رفح" الحزينة على طيات الوجع الغزي.
من ليلة زفاف إلى ليلة تقبل فيها التعازي..
في منطقة تل السلطان بمدينة رفح، دقت زغاريد الفرح قبل شهر من الآن، بحفل زواجٍ لفتاة حلمت بأن تبنى مستقبلها مع خطيبها الذي غاب عن يوم زفافه، بل عن حدود هذا الوطن، وبنفس المنطقة نصب عزاء للعروس التي تنقلت عبر بحر الموت ليبتلع الموج روحها ويخرج جسدها خاسراً النفس الأخير لها في هذه الحياة.
استقبل أدهم زوجته صابرين، التي تنقلت في سفرها من معبر رفح إلى مطار القاهرة ومن ثم إلى الأراضي التركية، وتزوجا هناك، وعاشا معاً ثلاث اسابيع، ومن ثم عاد الزوج إلى بلجيكا ليكمل عمله بعد انتهاء الإجازة المحددة له، وتُركت صابرين مع بعض الفتيات من الأصدقاء والعائلة، حتى ليلة "الثلاثاء" بتاريخ 28/2/2023، حيثُ قرروا خوض رحلة الموت عبر بحر اليونان، هكذا تحدث محمد شقيقها مع "أمد للإعلام".
ويضيف شقيق عروس رفح لـ"أمد"، اتصل زوج صابرين بها وطلب منها أن تجهز نفسها لتغادر الأراضي تهريباً عن طريق البحر، وهناك كانت النهاية بغرق السفينة ووفاة شقيقتي".
"أحمد" الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه بسبب ظروف خاصة، تحدث عن الطريق التي سلكتها صابرين برفقة الشاب محمود بكر أبو طير و6 آخرين من قطاع غزة، بالإضافة إلى أشخاص من جنسيات سودانية وسورية، ليشقوا طريق البحر سائرين عبر أمواج الموت، وهناك كانت النهاية لعروس خططت حياتها وجمّعت طموحاتها لتحققها في بيت الزوجية مع من اختارته سنداً أبدياً.
من المسئول عن غرق المركب..
أحمد الذي كان متابعاً لصابرين ورفاقها في رحلة الموت وعبر هاتفه النقال عن طريق موقع التتبع "جي بي أس"، تحدث مع "أمد للإعلام"، أنّ المركب الذي أبحر به المهاجرين كان سليماً تماماً، وتخطى أكثر من ثلثي البحر، وتوقف إرسال الهاتف "جي بي أس"، وحينها تحدثت مع المهرب وأكد لي أيضاً انقطاع الإرسال من طرفه".
وتابع، تحدث معي المهرب بعد ساعة وقال لي يبدو أنّ الخفر اليوناني قد أمسك بهم لذلك انقطع معهم الإرسال، وبقينا ننتظر حتى الفجر، فاتصلت بي زوجتي التي رافقت صابرين برحلتها البحرية، وأرسلت لها شقيقها المتواجد في اليونان وعلمنا بغرق المركب ووفاة صابرين ومحمود أبو طير وفقدان شاب من عائلة المصري.
وشدد، أنّ الخفر اليوناني عبارة عن شبان عرب، حتى لا يتم محاسبة البلد من الأمم المتحدة، بأنّهم لا يتبعون لها، منوهاً أنّه سبب في اغراق غالبية مراكب الهجرة في بحر اليونان.
"التف خفر السواحل اليوناني حول المركب بشكل دائري، في خطوة منه لإغراق القارب وتمكن بالفعل من ذلك وغرقنا"، هذا ما قاله الناجي أسيد "اسم مستعار"، مضيفاً: انقلب بنا القارب من ضغط الأمواج قبل 500 متر فقط من الوصول إلى السواحل اليونانية، وكانت المياه مرتفعة بحوالي 6 أمتار".
وأوضح، أنّه تمكن من السباحة حتى وصل إلى بر الأمان بعد ساعتين من مكوثنا داخل المياه، والخفر اليوناني يتفرج علينا دون مساعدتنا.
من فرحة استقباله عروسته إلى صدمة إعلان وفاتها..
لم يعلم أدهم ابو جزر البالغ من العمر 30 عاماً بوفاة زوجته إلا بعد أكثر من 10 ساعات، وما عرفه هو أنها مصابة وتتلقى العلاج، وحينما اتصل به أحد أقرباءه المتبعين مع المهاجرين في السفينة، وطلب منه السفر من بلجيكا إلى اليونان للضرورة، وعلم بذلك مساء يوم الثلاثاء، وهنا كانت الصدمة.
حياة وأسماء "أسماء مستعارة"، صديقتان لصابرين ومن ذات العائلة ورافقتاها في الرحلة البحرية المميتة، تحدثا مع "أمد للإعلام"، وكشفتا تفاصيلاً مثيرة حول بحر الموت اليوناني الذي ابتلع سمكه أجساد المئات من المهاجرين على مدار السنوات الماضية.
حياة التي تحدثت مع "أمد للإعلام"، قالت، إنّ رحلتهم البحرية التهريبية كانت بالأساس من أجل صابرين، وزوجها من خطط لها وأجرى كافة الإجراءات، وكانت أكثرنا تحمساً لها.
من مدينة "بودروم" التركية إلى جزيرة كوس، حملنا أمتعتنا وانطلقنا برحلتنا المميتة ابتدأت بالسير على الأقدام لساعات، وانتهت بالغرق عبر البحر، هكذا قالت حياة.
نجت حياة وأسماء و22 آخرين من الغرق، وماتت صابرين العروس التي حلمت بحياة أخرى ستكملها مع زوجها، ليتحطم كل شئ أمام مياه سرقت الأرواح وتغذت أسماكها على أجساد الغلابة الهاربين من أوطانهم التي غزاها الفقر والجوع والظلم.
وتكمل حياة حديثها لـ"أمد"، بعد حوالي 40 دقيقة ولم يتبقى لنا إلا القليل، تفاجأنا بسفن الخفر اليوناني وبدأت اضاءة الكشافات الحوم حولنا وبطريقة دائرية سريعة جداً لتوسيع دائرة الموج الاصطناعي ويغرق المركب، وانقلب بنا بالفعل وتفرقنا داخل البحر، وبقينا لمدة ساعتين ونحن نحاول السباحة للنجاة من الموت.
وتابعت، لم ينقذنا الخفر اليوناني وتركنا نحاول النجاة من الموت، رغم وجود سفينتين بالقرب من المركب الذي كنا به.
نجاة من رحلة مميتة عبر البحر..
وفي السياق ذاته، تحدث أسماء التي تتقن اللغة الإنجليزية، والمقربة للضحية العروس صابرين، الذي فرقهما البحر بعد رحلة من العذاب، فقالت لـ"أمد"، إنّها طلبت المساعدة من الخفر اليوناني وتحدثت معهم باللغة الإنجليزية، لكنهم رفضوا ذلك لأكثر من ساعتين، وعندما انقلب القارب وغرقنا لم أعثر على صابرين التي فقدت حماية الغوص داخل البحر لذلك لم تستطيع الهروب من الموت وغرقت في البحر حتى طفى جسدها على الشواطئ فجراً.
واستدركت بالقول: إنّها اشترت لباس الغوص بمبلغ استغلالي من المهربين حتى تستطيع النجاه في حال غرق المركب، وهذا كان سبباً في نجاتها.
وشددت، عندما وصلنا إلى الشواطئ اليونانية، ارتمينا على الأرض، بعد رؤيتنا للموت بأعيننا، وأصبحنا نبحث عن بعضنا ولم نعثر على صابرين، وعند ساعات الفجر طفى جسدها على الشاطئ هي وشاب آخر الضحية محمود أبو طير، وكانا قد فارقا الحياة.
ونوهت، عندما طلبوا مني الذهاب للتأكد منها صدمت وحينها بكيت وجلست على ركبتاي وبدأت بالصراخ وقلبي متقطع على رؤيتها بهذا الشكل.
وأمّا عن أنس "اسم مستعار"، والذي رفض أيضاً كالأغلبية الكشف عن اسمه لعدم تعرضهم للخطر والسائلة داخل الأراضي اليونانية، فقال لـ"أمد"، لم أرافق أشخاص أنا رافقت طريق الموت، الطريق التي أجبرنا على السير بها مُبْحرين علّها تكون النجاة ولكنها أودت بحياة الكثيرين مثلنا إلى القبر والعشرات في عداد المفقودين كانت وأصبحت أجسادهم وجبات شهية للأسماك.
ويوضح "أنس"، وصلنا لبر الأمان بعد رحلتنا المميتة، وهناك قام الخفر اليوناني بمساعدتنا عن طريق فرق إنقاذ متواجدة وتم نقلنا بعد التأكد من وفاة صابرين إلى "كامب" في الجزيرة، وقدموا لنا ملابس وطعام وقاموا بعلاجنا ووضعنا تحت المراقبة.
ماذا عن دور السفارة الفلسطينية؟!..
لم نتوقع ردة الفعل العنيفة من الناجين من رحلة الموت حول سؤالنا عن دور السفارة الفلسطينية وماذا فعلت لهم بعد نجاتهم ودخولهم إلى الحدود اليونانية.
جميع المتحدثين مستائون من دور السفارة الفلسطينية، وأكدوا عدم اهتمامها بهم، وأنها لم تسأل عنهم ولم تساعدهم نهائياً حتى اللحظة، ولم يأتي أحد مسئول أو من طرفها يتفقد أحوالنا.
ووصف المتحدثون الناجون من الموت عبر "أمد"، دور السفارة الفلسطينية سواء في تركيا أو اليونان بالسئ للغاية تجاه المغتربين أو المهاجرين عبر البحر والذين يتعرضون للغرق أو فقدانهم لأمتعتهم وأموالهم وحتى جوازات سفرهم داخل رحلتهم البحرية المميتة.
رسائل من قلب الموت..
حياة الفتاة الغزية التي خرجت من وطنها لتكمل حياتها مع زوجها أيضاً، قدمت نصيحتها في رسالتها عبر "أمد"، لابناء وطنها بعدم تعرضهم لمثل هذه التجربة، وألا يقرروا خوضها أو الخروج من القطاع رغم كل مصاعبه.
وأضافت، "كملوا حياتكم بالوطن وما تطلعوا للموت بأقدامكم"، الهجرة ليست سهلة وهي من أصعب القرارات التي يتخذها بعضنا، ولكننا حاولنا أن نعيش بحياة أفضل مما عشناه من فقر ووضع اقتصادي سئ في قطاع غزة.
وعن أسماء التي ابتلع البحر احلام رفيقتها، وهي تتحدث بصوتها المكلوم الذي يئن وجعاً على فقدانها، حيثُ أكدت: أنّ الخروج من الوطن يعتبر موت، وقدمت نصيحتها للشباب والفتيات الفلسطينيين بعدم خروجهم من الوطن، والبقاء فيه لأنهم سيعانون الأمرين خارج أسواره.
وأرسلت أسماء رسالتها عبر "أمد"، إلى السفارة الفلسطينية، أن تكون عند مسئولياتها وأن تقف إلى جانبنا، وأن تساعدنا لنتخطى هذه الأزمة.
توقف أنين عروس رفح عبر رحلة الموت، وانتهت أحلامها بين أمواج البحر المميتة، لتسجل رقماً جديداً من أرقام ضحايا الهجرة، والهروب من واقعٍ مرير أجبر الكثيرين على ترك غزة الممتلئة بالمآسي والأوجاع، علّهم يجدون حياة كريمة تقيهم من ويلاتْ ألمت بالوطن المشلوب منه حريته، والمحروم ساكنيه من العيش فيه بأمان.