
أوسلو على قيد الحياة ولا زال يركل

الصحفي الإسرائيلي والباحث روني شكيد
أمد/ اتفاق أوسلو لم يمت، إنه حي ويتنفس، ويرسم الواقع في المناطق، ويؤكد استمرار الصراع. ورغم أن عملية أوسلو تعثرت في مراحلها الأولى ثم ماتت، إلا أن الواقع الذي خلفته وراءها لا رجعة فيه. هذا واقع هجين، حيث تنقسم الضفة الغربية إلى منطقة تسيطر عليها إسرائيل وهي "دولة المستوطنين" ومناطق يسيطر عليها الفلسطينيون "دولة ذات سيادة بحكم الأمر الواقع، لها علم، ونشيد، وحكومة، وسلطة قضائية ونظام وممثلون دبلوماسيون في 122 دولة وأعياد وطنية بما في ذلك "عيد الاستقلال" ويزخرف رمز الدولة وثائقها الرسمية، ومكتوب أسفله "دولة فلسطين."
وفي الواقع الحالي، أسست عملية أوسلو لرؤية الدولتين. ولا يهم إذا كانت دولة فلسطين التي أنشأها الاتفاق فاشلة أو فاسدة أو دكتاتورية، أو إذا كان الفلسطينيون يتعاملون معها كحل سياسي لأوسلو أو كخطوة نحو إقامة الدولة الفلسطينية على كامل أراضي فلسطين. وهي موجودة بحكم الشرعية الدولية، بما في ذلك من الولايات المتحدة والصين وروسيا وأيضاً السعودية. كما منحتها الأمم المتحدة صفة دولة غير عضو، وهي موجودة بحكم الإجماع الوطني الفلسطيني. حتى حماس ترى فيها إنجازاً وطنياً مهماً.
ومن المفارقة أن واقع أوسلو مفيد لإسرائيل، لأن الاحتلال أصبح رخيصاً، فهو يحرر إسرائيل من الاهتمام بشأن حياة 2.8 مليون فلسطيني. وتستفيد إسرائيل من التعاون الأمني الذي يخدم المستوطنين أيضاً، ويفتح أبواب العالم العربي، وليس الأردن فقط، إلى جانب اتفاقيات إبراهيم والآن السعودية. واقع أوسلو خلق الصراع بين دولة فلسطين التي تسعى لتطبيق أوسلو على كامل أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية، و"دولة المستوطنين" بدعم من حكومات اليمين التي تدفع باتجاه فك الارتباط بمعنى الضم الفعلي للمناطق. أيام أوسلو كان عدد المستوطنين 115 ألفاً، واليوم يقترب من النصف مليون. وهم أقلية تشكل 5.2% من مواطني إسرائيل، ولا يتجاوز جوهرهم الأيديولوجي 2% من السكان. لكن تصرفات هذه الأقلية الصغيرة وسعيها نحو إنجاز الضم الزاحف لها التأثير الأكبر على مستقبل إسرائيل وشخصيتها كدولة يهودية ديمقراطية.
لقد تحول الصراع من أجل واقع أوسلو من سياسي إلى ديني، وترافقه رموز وشعارات ومشاعر ومعتقدات دينية تشوه وجهات النظر السياسية أو أي اعتبار عقلاني. وانضم إلى العنف الفلسطيني أفرادٌ من جيل جديد متعلم ووطني، ولديه الاستعداد لتقديم التضحيات من أجل تحقيق الأهداف الوطنية. وتصاعدت مشاعر الكراهية والانتقام لدى الجانبين، وأصبحت عاملاً استراتيجياً يؤجج الصراع. في السنوات الـ 19 الماضية، تبنت القيادة الفلسطينية برئاسة أبو مازن النضال السياسي من أجل تنفيذ اتفاقات أوسلو ورفعت شعار "دولة فلسطينية وعاصمتها القدس" وهذا هو هدف اتفاق أوسلو في نظرهم ونسمعه في كل بيان وكل خطاب سياسي. ومن الناحية العملية، فشلت القيادة الفلسطينية في تعميق فكرة أوسلو في المجتمع الفلسطيني. ولكن ماذا عنا؟ في إسرائيل لم يحاولوا تطبيق سلام أوسلو على الإطلاق. بل على العكس من ذلك إذ حاولوا في السنوات الخمس عشرة الأخيرة دفع الاتفاق بعيداً عن النقاش السياسي.
والفلسطينيون، من وجهة نظرهم أيضاً، غارقون في واحدة من أسوأ اللحظات في تاريخهم الوطني: المجتمع ينهار، والقيادة ضعيفة، والانقسام بين حماس وفتح يتعمق، وليس لديهم أي دعم عربي، والغرب يهملهم وبالكاد تبدي الولايات المتحدة اهتماما بهم. وفي مواجهة الواقع الذي خلقه الصراع من أجل أوسلو، فإنهم يفقدون الأمل في قيام دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967. ولكن على الرغم من وضعهم اليائس، فإنهم مصممون على مواصلة النضال، وهو ما يشكل بالنسبة لهم مبررا أخلاقيا وتاريخيا ووطنيا.
ليس لدي أي أوهام: إن حل الصراع يتطلب تنازلات مؤلمة من كلا المجتمعين، وحتى لو تحققت، فلن تقوم على مصالحة تاريخية، كما كان يأمل قادة أوسلو، بل على حل سياسي للسيادة السياسية لإسرائيل. كل طرف على جزء فقط من وطنه، الأمر الذي سيترك له مخاوف وأطماع وطنية لن تصل إلى رضاه. ولكن إذا تم التوصل إلى حل، فإنه سيخلق ديناميكية جديدة وتغييراً في أنماط الصراع مما يزيد من النزيف.
ويجب ألا نخضع لإملاءات الواقع الذي تشكل. وهذا التعايش ليس مجرد استمرار للنضال الدموي غير المنضبط، بل هو خطر وطني، خطر على مستقبلنا الديمقراطي. ومن واجب كلا المجتمعين إيجاد طريقة لفك الارتباط بين الأمم. إن الإنسان والمجتمع وأي أمة لا يمكن أن يحيا بدون رؤية وبدون أمل.
الدكتور روني شكيد باحث في شؤون المجتمع الفلسطيني في معهد ترومان في الجامعة العبرية، وعمل حتى عقد من الزمان كمراسل للشؤون الفلسطينية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" لمدة 30 عاما.